كنت من بين المحظوظين الذين تسنت لهم فرصة مواكبة المشاركة الأولى لدولة الإمارات العربية المتحدة في الدورة 53 لمعرض «بينالي البندقية». وبلاشك كان ذلك حدثاً بارزاً وإنجازاً مهماً لبلد لم تقتصر إبداعاته على مجالات الاقتصاد والأعمال والتجارة فحسب، بل تعدتها إلى أروقة الثقافة والفنون أيضاً.فإذا ما استعرضنا المعالم الثقافية التي تزخر بها البلاد، ابتداءً من «بينالي الشارقة» الذي انطلق قبل نحو عقدين من الزمن، مروراً بمعرض «آرت دبي»، ووصولاً لمتحف اللوفر المرتقب في أبوظبي؛ نجد أن دولة الإمارات تتبوأ موقعاً رائداً يخوّلها مضاهاة مراكز الفنون التقليدية في الشرق الأوسط، بما فيها القاهرة وطهران واسطنبول وبيروت، ويضعها على خارطة الثقافة العالمية.
وقد ترك مشهد راية دولة الإمارات والمتطوعين الإماراتيين النشطين انطباعاً إيجابياً لا يُنسى لدى جميع المواطنين الذين سافروا لحضور الحدث.
كانت لحظة سريالية، لحظة فخر مجيدة يشوبها شيء من المرارة في نهاية المطاف، حيث كادت مشكلة وحيدة تحجب الجهود الإيجابية لمتطوعات جامعة زايد اللواتي كن يعملن جنباً إلى جنب طيلة فترة المعرض. فخلافاً لجميع البلدان المشاركة الأخرى، كانت الإمارات الدولة الوحيدة الممثلة رسمياً بجناحين منفصلين تماماً. وهنا تبرز مسألة تباين الهويات التي لطالما فرضت حضورها السلبي على نفسية المواطن الإماراتي؛ فهل نحن بلد واحد أم سبع إمارات يجمعها اتحاد فيدرالي، أم مزيج من الحالتين معاً؟ يبدو أن هناك تجاذبات كانت تدور أخيراً داخل البلاد، لم يكن لها أن تتجلى في مثل هذا الوضوح الذي برزت عليه خلال «بينالي البندقية».
فمن جانب، كان هناك الجناح الإماراتي الذي نظمته وزارة الثقافة والذي لم يقتصر مشاركوه على الفنانين الإماراتيين، مثل لمياء قرقاش وابتسام عبد العزيز فحسب، بل ضم أيضاً فنانين مقيمين في دولة الإمارات مثل الفنان الكويتي الفلسطيني الأصل طارق الغصين، المحاضر في الجامعة الأميركية بالشارقة، وأعتقد أن مشاركته تعكس الطبيعة الشاملة التي تميز روح الإمارات.
وعلى الجانب الآخر، حظيت «هيئة أبوظبي للثقافة والتراث» بجناحها الخاص الذي ضم أيضاً كلاً من الآنسة عبدالعزيز، وحسن شريف الذي شارك هو الآخر في جناح الدولة. ولعل السؤال الذي يطرحه كل واحد منا في سره، وأسأله هنا في العلن، هو: لِمَ المشاركة بجناحين؟ ولكي أكون منصفاً، فقد كانت هناك «حالات خاصة» مشابهة، كوجود جناح مخصص للبندقية إلى جانب الجناح الايطالي، لكنه أمر قد يُعزى لكونها المدينة المضيفة. كما تمثل الفنانون الأستراليون أيضاً بجناحين، لكن الجناح الثاني كان مجهوداً فردياً وليس مبادرة حكومية رسمية.
لقد آلمني أن أرى مشاركة البلدان الأوروبية الاسكندنافية جميعها في جناح واحد، وأن يتكرر الأمر ذاته مع دولة كانت فيما سبق تدعى تشيكوسلوفاكيا. نعم، كان عليّ أن أفرك عينيّ لأصدق ما أراه. فلو كانت المشاركة الإماراتية بجناحين تحت راية واحدة تتوزع بينهما الأنماط المختلفة لفن الفيديو والفن الإنشائي أو التصوير الفوتوغرافي والرسم، لكان الأمر يتسم بشيء من المنطقية؛ لكنّ الجناحين قدما الأنماط الفنية ذاتها، لا بل وضما الفنانين أنفسهم أيضاً.
ولا أقصد بحديثي هذا انتقاد الفن المعروض الذي تفاوتت مستوى أعماله بين الممتاز والسخيف تماماً، بل أود الإشارة إلى أننا في حدث دولي يستوجب منا المشاركة كأمة واحدة. ولابد من الأخذ بعين الاعتبار أن ثمة حالات يمكن للبلدان الفيدرالية أن تشارك فيها على نحو فردي، وأضرب مثلاً على ذلك برياضة كرة القدم في بريطانيا التي تشارك فيها كل من إنجلترا وأسكتلندا وويلز بفرق منفصلة في البطولات الأوروبية والعالمية. لكن من الغريب تماماً أن تشارك إنجلترا بفريقين في المسابقة ذاتها.
ولعل العزاء الوحيد كان في قيام الشيخ سلطان بن طحنون آل نهيان رئيس هيئة أبوظبي للسياحة ورئيس «شركة التطوير والاستثمار السياحي»، التي أشرفت على تنظيم جناح الهيئة، بزيارة وافتتاح جناح الدولة أولاً برفقة المسؤولة عن الجناح الدكتورة لميس حمدان؛ وهي بادرة تركت صدىً عميقاً في عقول وقلوب العديد من الحاضرين.
إن خير مثال نقتدي به للمستقبل هو التجربة الخاصة للدولة فطالما أننا أمة واحدة تجمع تحت رايتها شعباً واحداً، مواطنين ومغتربين، سنبقى أقوى وأفضل وسنعزز فرصنا في المنافسة مع بقية أنحاء العالم.
وأود أن أناشد المسؤولين عن مشاركتنا في «بينالي البندقية» المقبل عام ،2011 أياً كانوا، وأرجوهم الحرص على إقامة الجناح الإماراتي الرسمي تحت راية واحدة مهما تعددت مواقع العرض. لأننا تحت راية واحدة سنكون أقوى وأفضل، ومنافساً تحسب له بقية الأجنحة المشاركة ألف حساب.
This article was originally published in Emarat Alyoum on June 14, 2009. A screenshot of the article can be downloaded here.