أشرفنا على أبواب رمضان، شهر الفضيلة والعبادة والعطاء، وأخيراً شهر المسلسلات.ما يدهشني في السنوات الأخيرة ليس فقط عدد المسلسلات الهائل الذي إن حاولت متابعته جميعاً قد تحتاج إلى 40 ساعة في اليوم. بل ما يدهشني الجرأة الخارقة التي لا تظهر للعيان إلا في شهر العبادة، فلا موضوع غير قابل للطرح، ولا مشاهد غير قابلة للتصوير، ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة!
نعم، هي معركة تتعارك الفضائيات بين بعضها البعض وتتسابق وتتنافس لجذب المشاهد العربي المسلم (لا يهم كثيراً إن لم تكن مسلماً.. المهم أن تتكلم العربية) فالمقصد هنا ربحي بحت ولا مكان للدين على قوائم الحسابات المالية، فكل «جوز عينين» يزيد في عدد المشاهدين وبالتالي تستطيع المحطة أن تطالب الشركات المحلية والعالمية بدفع مبالغ خيالية للدعاية.
وحتى محطاتنا المحلية التي علاوة على كونها تعاني من انفصام في الشخصية، فإنها تصاب بحالة هوس رمضاني، فلا تميزها عن قناة إل بي سي اللبنانية (التي تبث بتوقيت مكة) أو حتى القنوات الأجنبية المشفرة.
ولا أدعي أنني لست من هواة مشاهدة المسلسلات الأجنبية والأميركية، ولكنني أمتنع عن متابعتها في شهر رمضان احتراماً، ولكن الحقيقة أن ما لا أشاهده في باقي أشهر السنة أجده في الكثير من مسلسلات رمضان، فـ«لا حيا ولا مستحا» في تناول أمور مثل العلاقات غير الشرعية، مغازلة الشباب للبنات والعكس، مشاهد سُكر ومخدرات وحتى حالات اغتصاب.
سبحان الله! غابت هذه الموضوعات في أشهر السنة كلها ولم يوجد مجال لعرضها الأول إلا في شهر الفضيلة، الحقيقة أن شباب الجيل الصاعد ليس في حاجة إلى ما يلهيه عن الدراسة والقراءة والعمل وممارسة الرياضة في الأشهر الأخرى، ولكن الصرعة الحديثة هذه التي تتجلى في عرض أحدث وأغلى المسلسلات إنتاجاً، بلهجات عربية عدة في شهر رمضان، لم تكن خطوة موفقة على الإطلاق في نظري الشخصي، وإن اختلف معي البعض. والسؤال هو هل هذا ما يطلبه المشاهدون من شركات الإنتاج العربية؟ وهل نظرية «بدون طلب لا يكون عرض» صحيحة؟
فلم تكن مصادفة أن بعض أشهر مسلسلات رمضان في السنوات الماضية، لم يكن من إنتاج عربي على الإطلاق، بل كان من إنتاج فارسي عن حياة السيدة مريم، فالتاريخ الإسلامي والعربي القديم و الحديث مليء بشخصيات رائدة تستحق أن تعرض في مسلسل ثقافي ومفيد.
لقد وصلني أخيراً إيميل عن مسلسلات ما يسمى برمضان 2009 (وكأنه آخر صيحات الموضة) وأبشركم بأنه يحتوي على العديد من المسلسلات التي قد تضطرك إلى منع أبنائك وبناتك الصغار في السن عن متابعتها!
وحتى في الغرب يتم بث الموضوعات المثيرة في فترة المساء، تجنباً لمشاهدة الأطفال لها، ولكن قنواتنا تعيد بث حلقات المساء في نهار اليوم التالي، مما يتيح الفرصة للأطفال لمشاهدتها.
وأخيراً لا أنكر على قنوات التلفزيون بث برامج تحتوي على موضوعات حساسة، بل قد تكون ظاهره إيجابية، ولكن فقط أستغرب مدى تناسبها مع الشهر الفضيل.
This article was originally published in Emarat Alyoum on August 09, 2009. A screenshot of the article can be downloaded here.
