إذا قمت بزيارة إلى إحدى ضواحي بر دبي القديمة فستجد أحد أجمل المباني التي تدل على العمارة الإسلامية في الإمارات، ألا وهو المركز الإسماعيلي في دبي. شيد المركز على مساحة 13 ألف متر مربع، تم إهداؤها من قبل الشيخ محمد بن راشد حاكم دبي عام 1982 بمناسبة اليوبيل الفضي لتولي الآغا خان قيادة الطائفة الإسماعيلية. وفي الحقيقة تعد خطوة الشيخ محمد بن راشد بإهداء تلك الأرض في تلك السن دليلاً على كرمه وسماحة صدره، وعلى بعد النظر الذي يتمتع به.
قام بتصميم المبنى الجميل مهندسان معماريان من مصر، وهما رامي الدحان وسهير فريد، واستلهما أفكاراً وتصاميم من مساجد القاهرة الفاطمية. ويعتبر المبنى تحفة معمارية بسبب تصميمه الفريد، فهو مغطى بالرخام الذي يشبه الحجر الجيري الملون وممزوج بالقباب والأقواس الرائعة التي تنقل الزوار إلى حقبة من الحرفية والبناء من عصر إسلامي سابق، حتى إنني شعرت بأنه هيكل من إنتاج حرفيين من عصور ماضية تم اعطاؤهم تكنولوجيا اليوم الحديثة.
في مدخل المبنى نجد نافورة دائرية مصنوعة أمن قطعة رخام واحدة أبيضاء تخلق صدى صوت للماء تنعكس في القبة المثمنة فوقها، ويا لها من قبة جميلة مصنوعة من الطوب المصري الأحمر الفاقع اللون، تم تشييده بحرفية بارعة من قبل فريق تتلمذ على يد حسن فتحي أحد أعظم بناة قبب الطوب في مصر.
المبنى خليط من كل ما هو جميل في المعمار الإسلامي، وفي الخارج نرى تصاميم تشبه خلية النحل، وتخلق من الداخل أشعة الشمس حين تمر من خلال اللوائح الخشبية أنماطاً من الظلال تتحرك مع حركة الشمس، وتنبثق من النوافير القريبة من مستوى الأرض أصوات هادئة لحركة المياه تصاحب المتجولين وهم يتذوقون الفن الرفيع في التحف الإسلامية المعروضة في أنحاء المركز.
وتعلو المركز قبة تشبه تلك الموجودة في مسجد ابن طولون في القاهرة وبه ساحة صلاة الفجر ومن الجهة الثانية نرى نافورة سلسبيل في الحديقة الرئيسة المملوءة بشبكة من القنوات المائية الصغيرة متصلة جميعها بنافورة السلسبيل الوسطى. واحتضن المركز معرض صور للمصور الإماراتي نور علي راشد، أحد أشهر اتباع الطائفة الإسماعيلية في الدولة قبيل وفاته بأشهر، بالإضافة إلى فعاليات موسيقية ومدرسة حديثة ذات مواصفات عالية جدا للأطفال.
بسبب اهتمام الآغا خان الحالي بالتراث المعماري الإسلامي وإيجاده جائزة تحمل اسمه في عام ،1977 أصبح الإسماعيليون مقترنين بالمعمار الجميل حول العالم، فتقدم الجائزة للمشروعات التي تأخذ بالاعتبار البيئة التي يقطنها مسلمون والتي تطور مستواهم المعيشي سواءً كان في مبنى جديد أو في إعادة ترميم مبنى تاريخي، ولكنها ليست جائزة تعطى فقط لمسلمين، فمن بين متلقيها المصمم المعماري جان نوفل لتصميمه مبنى معهد العالم العربي في باريس، الذي وضع التصميم لمتحف لوفر أبوظبي. والكثير من المشروعات يفيد مجتمعات متعددة الديانات كالتي في إفريقيا والهند وأجزاء من العالم العربي.
وفي شهر نوفمبر سيتم لأول مرة احتضان فعاليات الجائزة في دولة خليجية ألا وهي قطر التي وصل سوق «واقف» في الدوحة بها الى نهائيات المسابقة مع مشروع وادي حنيفة في السعودية.. كنت قد عدت من زيارة إلى الأندلس في الأسبوع الماضي، قبيل زيارتي المركز الإسماعيلي في دبي، وأثناء زيارتي للمركز أدركت أنه لم تكن فقط الأقواس المعمارية على الطراز الإسلامي الشيء المألوف لديّ، فتعلمت أثناء زيارتي أن الإسلام في الأندلس دين تسامح عاش في أكنافه المسيحي واليهودي، وعملا مع المسلمين في جـو من الـتسامح واحـترام الآخر وعدم الخوف من المجهول، تلك الروح التي أدت إلى ازدهـار الديـن والـعلم والثـقافة هي الروح نفسها التي أبرزها الشيخ محمد بن راشد حين أهدى قطعة الأرض لبناء ذلك المركز الجميل قبل قرابة ثلاثة عقود، وأصبحت دبي مدينة أغنى بتراثها المعماري والثقافي والحضاري المتسامح، وفي المستقبل حينما تكتب كتب التراث المعماري الحديث لدبي، تأكدوا أن ذلك المبنى الجميل ستكون له زاوية تروي حكاية الشيخ الكريم المتسامح.
This article was originally published in Emarat Alyoum on October 31, 2010. A screenshot of the article can be downloaded Here.