مقابلة حول الاتجاهات، والعمل التركيبي بمنظور 360 درجة الذي يعرض في جناح الإمارات الدائم في بينالي البندقية. مقابلة لسلطان سعود القاسمي
سلطان سعود القاسمي: هل هي المرة الأولى التي تشارك فيها دولة الإمارات العربية المتحدة بجناح منفرد في بينالي البندقية؟ وما فائدة اقتصار المشاركة على فنان واحد؟
محمد كاظم: نعم هذه هي المرة الأولى، ويعتبر حصول الإمارات على جناح دائم في “بينالي البندقية” مبادرة بالغة الأهمية. وبخصوص المعرض الشخصي، فالعديد من دول العالم تلجأ إلى اختيار فنان أو اثنين لضيق المساحة المتاحة في البينالي، مما يسمح بالتركيز على شخص واحد وإعطائه المساحة اللازمة لتقديم تصوره بشكل أوفى للجمهور الغربي ولزوار البندقية.
ويعتبر عملي الفني المشارك في هذا المعرض تحت عنوان “اتجاهات 2005” بمثابة إعادة إنتاج للجزء الأخير من مشروع “اتجاهات”، الذي استغرق إنتاجه كاملاً 5 سنوات. ويحمل العمل التركيبي اسم “اتجاهات 2005”. وسبق أن شاركت بالجزء الأول من عمل “اتجاهات 2002” في بينالي الشارقة عام 2003، كما عرضت العمل بشكل متكامل في بينالي سنغافورة بعنوان “اتجاهات 2002- 2005”.
وأحاول في “بينالي البندقية” أن أختزل هذا المشروع، الذي يشكل خطاباً سياسياً اجتماعياً إنسانياً يتجاوز كل الحدود الجغرافية. وستكون ريم فضة القيِّم العام على المعرض، حيث تتابع كل الجوانب الفنية، بتعاون وثيق معي طبعاً.
سلطان سعود القاسمي: تقول إنك شاركت في سنغافورة والشارقة؟
محمد كاظم: تزامن ذلك مع بدء العمل على مشروع “اتجاهات” في عام 2002 وانتهائه في عام 2005. وقد تم اختيار هذا العمل لعرضه في “بينالي البندقية”، وهو تجسيد أوسع لنموذج مصغر قدمته في عام 2005، حيث يجد المتلقي نفسه بشكل افتراضي داخل غرفة فسيحة تتيح له الدخول في العمل والتفاعل معه جسدياً من خلال صور وحركة الفيديو. وستقوم شركة متخصصة بتنفيذه، فيما سأشرف شخصياً على الإنتاج العام. وأشير هنا إلى أن الفنان لا يستطيع إنتاج هذه الأعمال بنفسه، بل يحتاج لدعم المؤسسات الثقافية والجهات العامة التي تختار الأعمال المشاركة في البيناليات الدولية.
سلطان سعود القاسمي: ما اسم الشركة التي ستنفذ هذا العمل؟
محمد كاظم: نعكف حالياً على اختيار الشركة الملائمة، فالتنفيذ يجب أن يكون دقيقاً لأن العرض البصري سيتم بمنظور 360 درجة. وفي الوقت ذاته، أحاول الاستفادة من العناصر والأساليب الفنية التي كنت أتفاعل معها في السابق، فقد تعاملت لأكثر من 15 سنة مع اللوحة، والضوء، واللون، والشكل، والحركة. ولجأت لاحقاً إلى استخدام هذه العناصر في الأعمال التجريبية أو التركيبية أو الفيديو، واستفدت منها بالفعل وحاولت تطويرها. وبصورة دائمة، أقدم أي عمل فني بصيغة مشروع يستغرق مني أحياناً سنة أو سنتين أو خمس سنوات، وفي أثناء ذلك أقوم بإنتاج مشاريع صغيرة ألجأ فيها إلى المصانع والشركات والمتخصصين بحسب إمكانياتي الخاصة.
سلطان سعود القاسمي: هل سيبقى “اتجاهات 2005” على حاله كما عرضته في آسيا، أم ستجري عليه بعض التعديلات؟
محمد كاظم: أثناء الإنتاج قد يتغير العمل مع ظهور أفكار جديدة، وهذا ما يحصل معي دوماً. و”المشي على الماء” هو عمل أنتجته في مدينة كيمنتس بألمانيا عام 2008، واستوحيته من المشي في المدينة بطريقة ارتجالية من نقطة إلى أخرى وربط الإحداثيات الجغرافية للنقاط التي توقفت فيها. وعندما صادفني النهر، تساءلت كيف لي أن أمشي على النهر؟ عدت مجدداً إلى كل تلك الإحداثيات الجغرافية التي حفظتها عن طريق الـ “جي بي إس”، وأجريت نوعاً من الحسابات: كم رقم واحد عندي؟ كم صفراً عندي؟ كم درجة عندي؟ أقمت ورشة للأطفال في هذه المدينة وذهبنا إلى منطقة فيها أوراق شجر ورسمنا على أوراق الشجر تلك الأرقام، ورمينا الأوراق في النهر كي تسبح. إنها عملية مستحيلة، ولكن مفهوم هذا النوع من الأعمال يعتمد على الطريقة في التفكير، وأنا دائماً أحب أن يرى المشاهد الطريقة في التفكير. من المستحيل أن يمشي المرء على الماء، ولكن كيف نجعل ذلك المفهوم ممكناً؟
سلطان سعود القاسمي: ما المغزى الخفي للحدود الدولية التي تتكلم عنها في “اتجاهات 2005″؟ وهل الحدود سوى تعبير عن الفصل ما بين منطقة وأخرى أو إنسان وآخر؟
محمد كاظم: كما تفضلت، المغزى هو كسر المفهوم السائد الذي تفرضه الحدود المصطنعة، وتمكين الإنسان من النظر إلى آفاق أبعد من محيطه الضيق، حيث نتحارب بلا مبرر على أشياء لا قيمة لها في نظري. فإذا كان بمقدور هذه القطعة الفنية أن تنطلق بحرية وتسبح في كل الأماكن، لماذا لا يتوصل البشر إلى طريقة ملائمة لإلغاء الحدود، إن لم يكن إلى حل دائم؟ هذا العمل رسالة تعبر عن هذه الفكرة.
سلطان سعود القاسمي: هل طغت علينا الحدود التي وضعتها القوى السياسية الأجنبية أم إن خيالنا في الإمارات والمنطقة أكبر من هذه الحدود المصطنعة؟
محمد كاظم: نحن متفاعلون معها. مثلاً، أسعى من خلال هذا العمل إلى تقديم المشهد العام الذي أراه، وهو أوسع من حدود منطقتنا. وهناك إشكالية حول دور الفنان في اجتراح حلول للقضايا العالقة وتقديم وصفات جاهزة لإلغاء الحدود؟ فبعض الفنانين يرى أن الفنان يمارس عملية نقد الذات على نفسه لتقديم افتراضات، قد تتخذ صبغة ذاتية. ويقول البعض الآخر: “نحن لسنا معنيين بإعطاء أي حل. ولماذا يأخذ الفن على عاتقه تقديم هذه الافتراضات أصلاً؟”
سلطان سعود القاسمي: حضرتك من الفنانين الرواد في الإمارات رغم صغر سنك. هل يمكننا القول إن عمر الحركة الفنية في الإمارات هو 40 سنة؟
محمد كاظم: ظهر الجيل الأول من الفنانين التشكيليين في الإمارات أواخر الستينيات، وتحديداً من عام 1969 وحتى أواسط السبعينيات. هؤلاء عملوا بشكل انفرادي، واتجه بعضهم للدراسة في الخارج، مثل مصر والعراق وأوروبا. وبعد عودتهم في بداية الثمانينيات، أسسوا “جمعية الإمارات للفنون التشكيلية” التي ضمت في عضويتها الجيل الأول من الفنانين الإماراتيين، مثل حسن شريف وعبد الرحيم سالم، ولفيفاً من الفنانين العرب مثل ياسر الدويك والفنان السوداني الراحل فاروق خضر.
وكان هؤلاء الفنانون يقومون بدور اجتماعي من خلال الجمعية، التي التحقت بها عام 1984 بعمر 14 سنة. وكانت الجمعية تنظم دورات خاصة بنظرية التصوير وتعقد اجتماعات يومية في مرسم المريجة، بحضور فنانين تشكيليين وشعراء، مثل عادل خزام وأحمد راشد وخالد بدر ونجوم الغانم. وكنت أنا من الجيل الثاني الذي عاش في هذا الوسط المفعم بالحماس. لقد تغيرت وأقراني بفضل ذلك الجو، فأنا لم أتأثر فقط بالفنانين التشكيليين بل كذلك بأدباء مثل عادل خزام الذي كان يتكلم عن الثقافة بشكل عام والشعر والموسيقى. وفي الحقيقة، انكببت على دراسة الموسيقى في تلك الفترة وتعلمت عزف العود، ولكنني لم أواصل.
This article was originally published in Nafas Magazine on August 1, 2013. A screenshot of this article can be downloaded here.